بات العالم يواجه العديد من التحديات، وخاصة المجتمعات النامية، أولها الزيادة المطردة في تعداد السكان والزيادة في استهلاك الغذاء والتوسع في الإنتاج الصناعي؛ مما أصبح يتطلب الاتجاه بالزراعة نحو مفهوم جديد هو الاستدامة.
تعتبر الزراعة أكبر المهن على وجه الأرض فهي التي تمد العالم باحتياجاته من الغذاء يوميًا والتي تصل إلى 7.3 مليار طن من الألبان سنويًا وإلى حوالى 2.25 مليار فنجان من القهوة يوميًا. كما وتشغل الزراعة حوالى 40 % من مساحة الأرض التي نعيشها عليها وتستهلك حوالى 70 % من موارد العالم المائية و 30 % من المحميات الخضراء في العالم.
وتتحقق الاستدامة في الزراعة من خلال ثلاث دعائم رئيسية؛ الأولى مراعاة تحقيق المردود الاقتصادي أو الربحية وذلك بالنظر إلى النشاط الزراعي باعتباره استثمارًا، والثانية هي خلق وابتكار النظم الاجتماعية الجديدة من خلال المشروعات الزراعية وتشغيل الأفراد المعنيين وتنميتهم وتدريبهم، أما الثالثة فتكمن في البعد البيئي من خلال الحفاظ على البيئة وتنوعها. وتتأتى هذه الدعائم من خلال استغلال كل الموارد المتاحة أفضل استغلال وحمايتها وتنميتها من أجل توفير الغذاء الآمن النظيف والمنتجات الزراعية باستمرار وعلى المدى الطويل وبأقصى كفاية لأفراد المجتمع الزراعي المضطلع بتلك المشاريع الزراعية وكذا المجتمع غير الزراعي. كما وتحقق هذه الدعائم أيضًا الربحية المرجوة لأصحاب الاستثمارات، وتحافظ على البيئة المحيطة على المدى الطويل مع توفير التنوع البيئي، فإن لم تحافظ الزراعة على البيئة وتنوعها لن تتوفر البيئة اللازمة لاستمرار الاستثمار الزراعي واستدامته وبالتالي لن يتوفر الغذاء الكافي والآمن للمجتمع.
خطوات ال استحداث النباتات ذات سيقان قصيرة وقوية قادرة على حمل كمية أكبر من الحبوب. في الوقت الحاضر، يمكن للمحاصيل أن تمنح المزارعين ما بين 50٪ إلى 60٪ من كتلتها الحيوية على شكل بذور. ولكن المكاسب ظلت ثابتة عند أقل من 1٪ سنويًا لأن نمو النبات بات محدودًا بسبب كفاءة التمثيل الضوئي نفسه.
ويحاول الباحثون الخروج من عنق الزجاجة بطرق متعددة. فواحد من الأحلام التي تراود العلماء منذ سنوات خلت هو اخذ نوع من التمثيل الضوئي العالي الطاقة والموجود أصلاً في الذرة وثلاثة محاصيل أخرى، يُطلق عليها تسمية "مسار C4" من أجل نقله إلى الأرز. وأحد الأهدف الآخرى هو تحسين جودة RuBisCO روبيسكو، أو الانزيم الخمول الشهير الذي يحفز المراحل المبكرة في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى الجزيئات العضوية المفيدة.
وفي الآونة الأخيرة، قام عدد محدود من الباحثين بالتفكير في إمكانية تبسيط واحد من جوانب عملية التمثيل الضوئي والذي يدعا الحماية بفعل الضوء. فالنباتات تعتمد من أجل المحافظة على نفسها من أشعة الضوء القوية – وكذلك من أجل موازنة التمثيل الغذائي – على آلية تسمى التبريد اللا ضوكيميائي، حيث تحوّل الصانِعات اليَخْضُورية الفوتونات إلى جزيئات جذب الضوء وتتخلص منها ببساطة على شكل حرارة. في الأجواء المعتمة، يمكن للنباتات إيقاف التبريد اللا ضوكيميائي لزيادة كفاءة التمثيل الضوئي، ولكن على الرغم من أنها قادرة على رفع هذا الواقي في خلال بضع دقائق، إلا أن خفض الدفاعات يمكن أن يستغرق ساعات، مما يحد من عملية التمثيل الضوئي في الظل.
لا يطرح هذا الفارق الزمني أية مشكلة بالنسبة إلى النباتات البرية، والتي يُعتبر البقاء والتكاثر بالنسبة إليها غاية في الأهمية ولكن هذا وضع ليس مؤاتيًا للمزارعين الذين يرغبون في زيادة الكتلة الحيوية. في العام 2004، احتسب العالم الفيزيولوجي الزراعي ستيفن لونغ، من جامعة إلينوي في أوربانا ومعه زملائه، أن التبريد اللا ضوكيميائي الذي يعمل في ظل الظروف النموذجية التي تمتاز بها المزرعة الواقعة عند خطوط العرض الوسطى من الممكن أن يقلل من كمية ثاني أكسيد الكربون التي تتحول إلى سكريات بنسبة تصل إلى 30٪.
بعد قراءة البحث الذي قدّمه لونغ، طرأت لعالم الوراثة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، كريشنا نييوغي فكرة عن كيفية إيقاف التبريد اللا ضوكيميائي بصورة أسرع. ولقد اقتضت هذه الاستراتيجية بإضافة نسخ إضافية من ثلاثة جينات حيث أن البروتينات الموجود فيها هي المسؤولة عن تخفيف الحماية، وحيث من المفترض أن تسرّع مستويات البروتين العالية من الاستجابة إلى الظل. استخرج نييوغي ولونغ والباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراه العاملين معهما هذه الجينات من خردل الأرابيدوبسيس ثاليانا التي خضعت لدراسات معمّقة وزرعوها في نباتات التبغ، التي يسهل تعديلها نوعًا ما. بعد إجراء التجارب المخبرية والتجارب في البيوت البلاستيكية، تمّ زرعها في حقل اختبار بالقرب من جامعة إلينوي. بالمحصلة تضاعفت أحجام أوراق التبغ التي خضعت للتعديل وسيقانها وجذورها، بحيث بلغ وزنها نسبة 14٪ إلى 20٪ أكثر من النباتات غير المعدلة بعد 22 يومًا.
يقول نييوغي: "كان من المذهل أن نرى شيئًا من قبيل هذه الزيادة ضمن تجربة ميدانية". ولقد جاءت هذه النتائج المذهلة دون آثار جانبية واضحة، على الرغم من أنه لم يتسنى للباحثين في إطار مثل هذه التجربة الميدانية الصغيرة إجراء إختبارات حول إمكانية خسارة قدرة النبتة على مقاومة الأمراض أو تحمل الإجهاد.
إلا أن السؤال الأهم يبقى ما إذا كانت هذه التعديلات المماثلة على المحاصيل الغذائية تعني إنتاج غلة استهلاكية أكبر. لمعرفة الجواب، بدأ نييوغي ولونغ بالفعل زرع هذه الجينات داخل أنواع عالية الجودة من الأرز والذرة، ومن الممكن أن تستتبعها غيرها من المحاصيل. كما ويتوقع لونغ أن يكتشف الباحثون طرق لإيقاف التبريد اللا ضوكيميائي بشكل أسرع، وربما توليد المزيد من الكتلة الحيوية: "نعتقد بأنه يمكن للمحاصيل أن تكون أكبر مما حصلنا عليه الآن."
ومن الممكن أيضا الحصول على هذه النتائج نفسها من دون نقل الجينات في ما بين مختلف الأنواع، وهو الأمر القادر على تسهيل الحصول على موافقة الجهات التنظيمية أو تسهيل تقبّل الأمر من جانب المستهلك. في العادة، توقف النباتات أية نسخ إضافية من جيناتها، ولكن من الممكن أن يتعدى تعديل الجينات أو المعززات باستخدام الكريسبر أو أي أسلوب آخر هذا الحاجز، مما يسمح للباحثين العمل على المادة الوراثية الخاصة بكل نوع.
ويقول داريو ليستير، عالم الأحياء الجزيئية النباتية في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ في ألمانيا أنه بغض النظر عن كيفية تطبيق التقنية، فإن تعزيز عملية التمثيل الضوئي يساعد الباحثين في الردّ على منتقدي التكنولوجيا الحيوية النباتية الذين يشتكون بأن النباتات المعدلة وراثيًا لم تعزّز المحاصيل: "يجب أن يكون الجميع سعيدًا بالوصول إلى النباتات التي تقدّم المحاصيل الأكبر."
بقلم إيريك ستوكستاد: صحافي في صحيفة ساينس، يُعنى بالقضايا البيئية والأبحاث التي تجرى حول المملكة المتحدة
17 تشرين الثاني 2016