الريجي... من ورقة تبغ إلى مؤسسة وطنية
منذ نشأتها عام 1935 في ظل الانتداب الفرنسي، تطوّرت إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية – الريجي – من شركة خاصة إلى مؤسسة وطنية رائدة، تلعب دورًا اقتصاديًا واجتماعيًا وتنظيميًا محوريًا في لبنان. ومنذ عودتها إلى الدولة اللبنانية في التسعينيات، خضعت لتحوّل جذري نقلها من مجرد مرفق عام إلى مؤسسة وطنية منتجة، تعتمد معايير الجودة، وتحاكي أفضل أنظمة الحوكمة والتنمية المستدامة.
من الزراعة الشاملة إلى الاكتفاء المحلي
شكّلت الزراعة نقطة الانطلاق في مسيرة الريجي. فبعد عقود من الإقطاع الزراعي، أطلقت المؤسسة في التسعينيات مشروعًا إصلاحيًا تاريخيًا هدفه توزيع الرخص الزراعية بعدالة وشمولية، ما مكّن أكثر من 25,000 مزارع من العمل مباشرة على أراضيهم. اليوم، تتولى الريجي الإشراف على زراعة التبغ في الجنوب والبقاع والشمال، من خلال منظومة متكاملة تقوم على الإرشاد الزراعي، التراخيص، التوزيع العادل، الفرز والتوضيب والتصدير والالتزام الصارم بممارسات الاستدامة في جوانب عملها كافة.
صناعة تبغ متقدمة بخبرة محلية
انطلاقًا من موقعها كمؤسسة منتجة، استثمرت الريجي بشكل واسع في تطوير منشآتها الصناعية ، فكانت السبّاقة في إطلاق أول علامة تجارية لبنانية للسجائر المفلترة – "سيدرز" – في سبعينيات القرن الماضي. ومنذ العام 2012، دخلت مرحلة جديدة من التوسّع الصناعي، شملت تحديث مصنع الحدث ليضم 15 خط إنتاج بدلاً من خطين، إلى جانب افتتاح مصانع للمعسل في طرابلس والبترون، مع اعتماد أحدث معايير الجودة والتكنولوجيا في التصنيع.
من الصناعة إلى ريادة التجارة الإقليمية
تحوّلت الريجي تدريجيًا إلى جهة تصنيعية وتجارية موثوقة في الشرق الأوسط، مع توقيع اتفاقيات تصنيع مع كبرى شركات التبغ العالمية، ما رسّخ مكانة لبنان كمركز صناعي معتمد، ورفع القيمة التصديرية للمنتجات المصنعة محليًا، ووضع الريجي على خارطة التجارة الدولية. وبفضل هذه الاتفاقيات، أصبحت الريجي لاعبًا أساسيًا في سوق التبغ الإقليمي، تجمع بين التصنيع المحلي والتوزيع العالمي.
التزام بالحوكمة والشراكات المسؤولة
إلى جانب دورها الزراعي والصناعي، تولي الريجي أهمية كبرى للحوكمة الرشيدة وتعزيز الشراكات، سواء من خلال التزامها بالمواصفات العالمية (ISO) أو من خلال تعاونها مع مؤسسات رسمية وخاصة، محلية ودولية. وتشمل شراكاتها أكثر من 25,000 مزارع، و788 رئيس بيع، و355 مورّدًا، و458 بلدية، و184 شريكًا عالميًا. كما تعتمد الريجي على كادر بشري محترف يشكّل العمود الفقري للمؤسسة، ضمن بيئة تحفّز التطوير المستمر، والابتكار، والانتماء.
الريجي... مؤسسة تتخطى الإنتاج
تُجسّد الريجي اليوم مفهوم المؤسسة العامة النموذجية، التي لا تقتصر أهدافها على تحقيق الربح، بل تتبنى دورًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويعبّر عن ذلك رئيس لجنة الإدارة والمدير العام المهندس ناصيف سقلاوي بقوله:
"طموحنا أن نحوّل إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية إلى مؤسسة رائدة في مجال العمل المستدام، ومثالاً فريداً ومميزاً عن المرافق العامة التي تتخطى أهدافها الربح المادي لتشمل المساهمة الفاعلة في المجتمع والتميّز على كافة المستويات. اليوم، الريجي ليست فقط مؤسسة... إنها جزء من هوية هذا الوطن."
بهذه الرؤية، تواصل الريجي مسيرتها بثبات، مستندة إلى إرث من العمل المؤسسي والخبرة الميدانية، مصمّمة أن تكون رافعة تنموية للبنان في قطاع التبغ وخارجه.